السبت، 16 يونيو 2012

كيف وجده نفسه


" ناديني رسيم، انه الاسم الذي اعتدت على سماعه منذ ميلادي الجديد"!وليكن.. رسيم اذن! لكن ميلاده الجديد لم يتحقق بعد.. بل لم يتجاوز مرحلة مخاض ولادة متعسرة. حين تأكد رسيم من مشاعره المثلية، احتد الصراع بين عقله وقلبه: "عقلي يقول لي: اصمد أنت لست بمثلي..لكن قلبي يقول: والحب إذن والدفء؟"

قبل عشر سنوات هاجر رسيم من بلاده الجزائر وجاء ليعيش في هولندا.. سرعان ما تصادق مع فتاة هولندية وأنس بها فسكنا معا مثل أي عاشقين في هذه البلاد. إلا أنه ظل يرمق سرا كل فتى يمر بقربه، بنظرات خاطفة خجولة ويرفض احاسيسه التي تطغى عليه: "ولكي اقنع نفسي أن مشاعري ليست مثلية، كنت اضغظ على نفسي لكي اشمئز من المثليين..لكن صديقتي الهولندية كانت تلاحظ أني اعشق الفتيان ونبهتني مرارا للامر".

القبلة الأولى
هكذا استمر الحال إلى أن جاء يوم غير مجرى حياة رسيم. طلب منه زميله في العمل ان يرافقه إلى حفل خاص بالمثليين في أمستردام.. اشمئز في البداية من زميله عندما علم انه مثلي، لكن حب الاستطلاع دفعه لان يرافقه. ولا يزال يتذكر ذاك اليوم بكل تفاصيله: "في البداية كان الأمر صادما بالنسبة لي، ما هذا المكان ومن هؤلاء الرجال؟ انزويت في مكان بعيد وإذا بي أفاجأ بعد لحظة بشاب يقبلني بوقاحة وقال إني أعجبته.. صرخت.. لكن في قراراة نفسي استمتعت جدا بالقبلة."

ظل طعم القبلة يلاحق رسيم لأيام طويلة وأصيب بالأرق. لاحظت صديقته الهولندية شروده وسكوته، فحكى لها الأمر.. تفهمته بكل عقلانية واخبرته انها يجب ان تفترق عنه ليظلا صديقين، لانها متأكدة من أنه مثلي وعليه ان يتقبل الأمر. "حكيت لها عن مشاعري واخبرتها بان ثقافتي العربية وديني يمنعانني من اكون كما انا.لذلك فمن الافضل ان أقمع مشاعري كي لا اصبح مرفوضا من مجتمعي".

الزواج من بنت البلد
قام رسيم برحلة استكشافية لنفسه وتأكد من كونه مثليا ومن ضرورة أن يغير ذلك. ذهب في زيارة الى بلده، فاجتمعت حوله العائلة وقالت له انه تجاوز الثلاثين ولابد له من امرأة تخفف من غربته وتسلي وحدته وتشاركه حياته.. انزعج وحاول التخلص من ضغط العائلة بحجة انه مرتبط بحبيبته الهولندية ولن يجرحها بهذا الشكل. هولندية؟ تلك نزوة عابرة، قالت العائلة.. بنت البلد وحدها تكون زوجتك! "في الأخير استسلمت.قلت لنفسي مهما كان الأمر لابد أن أسعد عائلتي وأتزوج..وهكذا تزوجت ابنة الجيران، شابة جميلة وجذابة جدا..ولكي أخفف عن نفسي قلت لنفسي: حسنا، الجنس قد أمارسه مع أي أحد لكن الحب لن أمنحه أبدا إلا لرجل مثلي الجنس."

بعد مرور يومين فقط على الزواج، استوعب رسيم خطورة ما أقدم عليه وخاطب نفسه باللوم: "يا الهي ما فعلت؟ لقد اسعدت عائلتي ولكنني سببت التعاسة لنفسي."

الخلاص
أخبر رسيم عائلته إنه عليه في الحين العودة الى هولندا لكي يشرع في تجهيز أوراق جمع الشمل لزوجته. عاد الى هولندا واستنشق هواء الحرية لكن لم ينس انه اقترف خطأ جسيما وجعل من زوجتي ضحية.

في هولندا، تهرب رسيم من اتصالات عائلته الملحة للسؤال عن أخبار جمع الشمل بحجج مختلفة، سيما منها بيروقراطية الجهات المعنية. مرت شهور بطيئة إلى أن سئمت زوجته من الانتظار وطلبت الطلاق. وهذا بالضبط كان مراد رسيم. "كان خلاصي إذن.وذهبت الى الجزائر من اجل اتمام اجراءات الطلاق وتفاجأت بزوجتي حاملاً. لدي ابنة الان.ومشاكلي لم تنته بعد، فوالداي هما اللذان يتولان تربية ابنتي ويصران على ان أتزوج مرة اخرى واتي بام لابنتي."

الميلاد الصعب
يطرق رسيم الآن أبواب المساعدة في هولندا.. فقد أحاله طبيبه النفساني على مركز يلتقي به شباب عرب مثليون يعيشون نفس الصراع مع النفس. يلتقي هؤلاء بشباب عرب آخرين تجاوزوا المرحلة التي يتواجد فيها رسيم وأمثاله وعرفوا بالفعل ميلادا جديدا وان كان هذا الميلاد قد كلفهم في بعض الأحيان خسارة جسيمة بمحيط الأهل والأحباب والأصدقاء. يحكون لرسيم تفاصيل معاناتهم الكبيرة قبل أن يقبلوا بأنفسهم كما هم.
"أشعر هنا أنني كما يجب ان يكون.. نفسي كما انا..ينصحونني ويرشدونني ويبعثون بي الى المراكز التي بوسعها مساعدتي اذا تطلب الامر..هذا جيد بالتأكيد!".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق